المرأة المسلمة في عيون سويسرية
خاليدة خطيب أوغلو في حوار مع مجموعة من السويسريات المهتمات بقضايا المرأة
لا شك أن الحديث عن المرأة في الإسلام من الموضوعات المثيرة للرأي العام الأوربي الذي لا يضع في ذاكرته إلا صور القهر والاستعباد للمرأة المسلمة، وهي المصوغات والأسلحة التي يستخدمها الكثيرون للهجوم على الإسلام، ووصفه بالدين الذي يسلب الحريات، ويحتقر المرأة، وينزل بها إلى الدرك الأسفل من الحياة.
ولأن الأصوات المدافعة عن المرأة المسلمة أو التي تشرح وضع ومكانة المرأة في الإسلام للرأي العام في الغرب بشكل صحيح قليلة إن لم تكن نادرة؛ فإن الجهات التي تعتمد في الحديث عن هذا الموضوع على الصور النمطية التي يبثها الإعلام، ويرسخها في عقول الرأي العام لا تجد إلا عناوين مثيرة للتعامل مع هذا الملف مثل: "كيف يمكن تطوير الإسلام ليصبح أكثر احتراما للمرأة؟"، أو "هل يسمح الإسلام بحرية المرأة؟" إلى آخر تلك القائمة الطويلة من العناوين التي تحمل أكثر من مضمون ومعنى.
3 تيارات
هذه الأسئلة بالطبع عادية لمن لا يعرف عن الإسلام شيئا، وكانت المحور الذي دارت حوله ندوة مفتوحة نظمها معهد الدراسات العليا في جامعة بازل بسويسرا يوم 26 مايو 2005، في إطار فعالياته المتخصصة عن الإسلام؛ حيث دعا 3 سيدات يمثلن تيارات مختلفة لوجهات النظر المتداولة حول "المرأة والإسلام" من خلال التعرف على "مدى التحرر الذي يمكن أن يتحمله الإسلام" في تعامله مع قضية المرأة، ومحاولة الإجابة عن مجموعة من التساؤلات، من بينها مدى تقييم المرأة المسلمة لمكانتها في الإسلام، ومدى علاقة العادات والتقاليد بالشرع، وحقيقة دور الأصولية في تحديد دور المرأة، وما هو مدى التحرر الذي يمكن أن يتقبله الإسلام.
وتقول "كاتي تسارتيغين" -أستاذة الفلسفة في جامعة بازل بسويسرا، إحدى منظمات تلك الندوة- في حديثها إلى إسلام أون لاين.نت: إن المسئولين عن الندوة حرصوا على تقديم طيف عريض من المسلمات، كمتحدثات للرأي العام، وبالتالي تلتزم الندوة بالحياد، ولا تتخذ موقفًا مسبقًا، وتتابع: "نحن نريد أن نعرف والرأي العام أيضا يريد أن يتعرف على الآراء المختلفة، والهدف من تلك الندوة كان جلوس الجميع على طاولة واحدة نسمع ونتحاور".
وتضيف "تسارتيغين" أن الفائدة التي خرج بها الجميع من تلك الندوة فاقت كل التوقعات؛ فالحضور كان ثريًّا وأغلبه من السيدات، لا سيما من الشابات، ومن مجالات مختلفة، من بينهن الأكاديميات والعاملات وربات البيوت وحتى طالبات المدارس الثانوية، مسلمات وغير مسلمات.
أما المثير -حسب رأيها- فهو أن المنتميات إلى التيار الإسلامي أظهرن قدرا غير متوقع من الانفتاح في الحديث عن وضع المرأة في الإسلام، وقالت: "كانت المرة الأولى التي أعرف فيها أن المؤيدات للتيار الإسلامي يتابعن المناهج الفكرية الحديثة عن كثب، ولديهن أسلوب جيد في عرض التراكيب اللغوية والمصطلحات المستخدمة باللغة الألمانية للحديث في المجالات الدينية المتخصصة".
مشكلة الترجمة
ومشكلة ترجمة التعبيرات اللغوية من العربية إلى اللغات الأخرى هي في واقع الأمر مشكلة لا ينتبه الكثيرون إلى أهميتها وخطورتها في الوقت نفسه؛ فربما تأتي الترجمة بدون استيعاب لروح النص؛ فتؤدي إلى عكس المعنى تماما أو تقدمه مبتورا؛ وهو ما لا ينتبه إليه العاملون في الحقل الإسلامي في أوربا؛ إما بسبب ضعفهم في اللغات الأوربية، أو ضعفهم في اللغة العربية، أو بسبب عدم اطلاعهم المتواصل على كل ما هو جديد من المجامع الفقهية؛ وهو ما يحتاج إلى جهد المتخصصين.
فعلى سبيل المثال ظل الرأي العام الغربي ينظر إلى أن الإسلام يضع المرأة في مكانة أقل من الرجل، بسبب سوء ترجمة "الرجال قوامون على النساء"، وقد فاجأت "خاليدة خطيب أوغلو" -وهي محاضرة متخصصة في علوم الدين- الحضور بتقديمها شرحًا وافيًا لمعنى الآية الكريمة، اعتمدت فيه على ترجمات حديثة صدرت باللغة الألمانية، أوضحت معنى الآية، وكيفية الربط بين التفاسير الواردة حولها من كتب السلف مع الأحاديث النبوية الشريفة وآراء المفسرين المعاصرين، وهو ما لقي إعجابًا كبيرًا من الحاضرات، ودهشة لمن كن يعتقدن غير ذلك.
وقالت الأديبة السويسرية "كارلا أوبرموله" -التي أدارت الحوار-: "خلاصة هذه الأمسية كانت واضحة بالنسبة لها بأن الإسلام في جوهره أنصف المرأة، وأن بعض علماء الدين ضيعوا هذه الحقوق"، وأضافت في حديثها إلى إسلام أون لاين.نت "بدا لي الفرق الكبير بين التقاليد الاجتماعية والتعاليم الدينية بعدما استمعت إلى شرح السيدة خاليدة خطيب أوغلو، وطرح السيدة رفاعات لينتسين".
ويعني الاعتراف بالوصول إلى تلك الحقيقة من اثنتين من المسئولات عن الندوة أن كلا من الأديبة "كارلا أوبرموله" والمفكرة "كاتي تسارتيغين" قد لمستا الفرق بين الطرح العلماني والأسلوب الإسلامي في التعامل مع المرأة في الإسلام.
التقاليد والشرع
أكدت الباحثة المتخصصة في العلوم الإسلامية السيدة "رفاعات لينتسين" -وهي سويسرية من أم باكستانية- على أن الغرب يجب أن يفرق بين العادات والتقاليد المنتشرة في الشرق وتعاليم الإسلام، وقالت لإسلام أون لاين.نت: "من الخطأ أن نأخذ ما نراه في واقع الحياة اليومية للمرأة في الدول الإسلامية بما فيها من سلبيات وإيجابيات، وأن نقول هذا هو الإسلام؛ لأن نمط الحياة في الغرب يختلف عنه في المشرق؛ بل علينا أن ننظر إلى الحقوق التي يمنحها الإسلام للمرأة وأن نعمل على هديها".
كانت تميل مداخلة الدكتورة "فريدة أكاشي" -وهي ألمانية من أصل إيراني ومتخصصة في علم الاجتماع- إلى وجهة النظر لا المطلقة، ولكنها "علمانية تحترم الدين" حسب قولها لإسلام أون لاين؛ أي "يجب على العلمانيين عدم التعرض للمرأة المسلمة إن أرادت أن تستقي من تعاليم الإسلام نهج حياتها كما تريد هي، وليس كما يفرضها عليها أحد"، في الوقت نفسه يجب على العلمانيين الوقوف في وجه من يحاول أن يفرض على المرأة قسرًا ارتداء الحجاب، أو اتباع نمط حياتي معين ما دامت لا تريد ذلك، ثم أسهبت في شرح ما رأته قيودا مفروضة على حرية المرأة في التعامل مع جسدها؛ مما أساء استياء أغلب الحاضرات، ورأين فيه دعوة إلى الإباحية وتحطيم الأخلاقيات الحميدة.
وبالتالي ألقت "فريدة أكاشي" بجميع مشكلات المرأة المسلمة على عاتق "علماء الدين الذين يسلبونها حقوقها"، واستشهدت بتجاهلهم لحقها في التعليم واختيار الزوج، وحقها في أن يكون لها رأي في تدبير شئونها المالية، وقالت بأن فرض الوصاية على المرأة تحقير لشأنها وانتهاك لحريتها الخاصة، ولكنها أعادت هذا كله إلى "أصل ديني تأثر به الفقهاء"، دون أن تربط بين العادات والتقاليد التي تختلف من بلد إلى آخر.
ولا شك أن هذا الطرح الذي تقدمت به المحاضرات كانت له ردود فعل متباينة بين جمهور المستمعات؛ فإلى جانب السؤال المتكرر عن الشريعة و"قسوتها" في رأي الكثير من الأوربيين ظهرت أسئلة أخرى تبحث عن مفهوم الشرف والعفة والعلاقات الجسدية بين الرجل والمرأة، والتحليل والتحريم، وكلها كانت تدور دائما في فلك الارتباط بالعادات والتقاليد.
التركيز على السلبيات
وتؤيد المسلمات العلمانيات هذا الطرح عادة؛ لأنهن لا يرين أي مشكلة للمرأة إلا في تمسكها بالإسلام وثوابته، ويضعن دائما خسائر المرأة المسلمة في المشرق كدليل على فشل المضمون الإسلامي في التعامل مع المرأة؛ ولذلك يصررن على ضرورة "التخلص من عبء الدين وتفاسيره التي لم تعد صالحة لا في هذا الزمان وليس في أوربا على جميع الأحوال"، حسب رأيهن.
لكن مجموعة من السويسريات المسلمات الجدد لم يرُقهن أن يدور الحديث على هذا المنوال، وتساءلت إحداهن: "لقد علم الحاضرون الآن وضع المرأة في القرآن والإسلام، والغالبية رأت أنه إيجابي؛ فلماذا التركيز على سلبيات تأتي من عادات وتقاليد لا علاقة لنا بها كسويسريات أو أوربيات؟" وقالت أخرى: إن الإعلام الذي يركز على السلبيات لا يذكر أنها مرتبطة بعادات وتقاليد؛ بل يقدمها للقارئ العادي على أنها "الإسلام"، ويعتمد على ترجمات وتفاسير خاطئة.
ويتحمل الإعلام بالفعل مسئولية كبيرة في الحفاظ على الصور النمطية السلبية؛ فنادرا ما يتيح الفرصة لمؤيدات التيار الإسلامي أو حتى يفسح لهن المجال للتعبير عن آرائهن أو الرد على التهم الجزافية التي يسوقها بلا هوادة، وإن حدث فإنه يتهمهن بالأصولية والتشدد، أو بأنهن ضحايا لأزواج متشددين، وهو ما لم تحاول الكاتبة "كارلا أوبرموله" أن تتفاداه؛ إذ قالت: "إن المسلمات الجدد في الغرب عادة ما يكن أكثر تمسكا بالدين من المسلمات الوافدات، بينما يجب عليهن -أي المسلمات الجدد- أن يبحثن عن هويتهن أولا".
ولا يروق هذا الرأي للمسلمات السويسريات؛ إذ قالت إحداهن: "إنني كمواطنة سويسرية لي جميع الحقوق التي تتمتع بها الأخريات، ويجب ألا يكون اعتناقي الإسلام سببا في تغير أي من تلك الحقوق، بل لي حقوق أخرى يجب أن يعطيها لي مجتمعي".
هذه المطالبة المشروعة تصيب العلمانيات بالصمت الذي لا يعني إلا أن الدوائر المهتمة بأوضاع المرأة تريد أن تحصرها في نطاق البحث عن "هوية نسوية"، ومحاولة الوصول إلى المساواة مع الرجل بأي ثمن، والدعوة إلى الانطلاق في مجال الحرية غير المحدودة، وترك الأديان جانبا؛ لأنها "يجب ألا تكون مسيطرة أو مقيدة لحرية المرأة" حسب زعمهم، ويتهربون إذا بدأ الحديث بأن تلك المحاولات لم تصل إلا إلى تحويل المرأة إلى سلعة، وأن جميع الدراسات والإحصائيات الأوربية تثبت وتؤكد أنه رغم كل التنازلات التي قدمتها المرأة الغربية فلم تحصل على ما تريده؛ بل دخلت في دوامة من الخسائر المتتالية التي لا تستطيع الخروج منها إلا بمعجزة.
الخطاب الإسلامي
يتطلب الخوض في ملف المرأة في الإسلام والغرب استعدادات كبيرة وهامة للغاية؛ أولها معرفة أسلوب الخطاب الذي نتوجه به إلى العقلية الغربية، ثم كيف نرد بالحجج والأسانيد على الاتهامات المتواصلة التي ترسم صورة سلبية للمرأة المسلمة، والأهم من هذا وذاك المقارنة بين طموحات المرأة المسلمة وغير المسلمة في أوربا، والتي يصمت عندها أنصار تحرر المرأة.
فالخطاب الغربي في قضية المرأة متنازع عليه في عقر داره؛ ويتأرجح بين البحث عن الهوية النسوية، ومفهوم القيم والمبادئ التي يرى العلمانيون والليبراليون أنه لا وجود لها، وأن تلك القيم والمبادئ يجب أن يضعها كل فرد كما يريد، وعندما تواجههم بأن هذا أدى إلى استغلال المرأة؛ فإنهم إما لا يردون، أو يقولون كل شخص حر فيما يعتقده، ولكنهم يتنكرون لمبدأ الحرية إذا اختارت المرأة حصن الإسلام لحماية نفسها؛ إذ يقولون عندها: "يجب أن نحرر مستقبل المرأة في الإسلام من يد الأفكار الدينية الأصولية التي يفرضها الرجال"، ولكنهم يشيحون بوجههم وتختفي أصواتهم عندما تقول المسلمة الأوربية "هذا ديني، وأنا ارتضيت به".
وعندما يصل الحديث إلى تلك النقطة -أي حقوق المسلمات الأوربيات لدى دولهن وفي مجتمعاتهن- يصمت المتحدثون عن حقوق المرأة، ولا يجدون ما يردون به؛ فالغرب يحلو له أن ينتقد الآخرين، ولا يريد أن ينظر في مرآته ليرى إن كان منصفا وجادا في تعامله مع المرأة أم لا.
مراسل إسلام أون لاين.نت في سويسرا، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني الخاص بالصفحة
adam@islam-online.net