قامت الحضارات في العالم القديم في أحواض الأنهار الكبري كالنيل في مصر و دجلة و الفرات في العراق و السند في الهند ، وقد لعب النيل دوراً خطيراً في قيام الحضارة المصرية فهو الذي أمد البلاد بمصدري الخصوبة ، و هما الماء و الطمي فساعد بذلك علي تحول مصر من صحراء جرداء إلي جنة خضراء صالحة لإنبات الزرع ، وقد أقترن هذا العامل بجهد المصريين الذين عملوا علي أستغلاله فأقاموا المقاييس و شقوا الترع وشيدوا السدود و بنوا الجسور
و لم يقف دور النيل عند عند هذا الحد ، بل إنه عَلَّم المصريين بناء السفن التي تجري بهم علي مائه يحملها تياره نحو الشمال تدفعها الرياح الشمالية السائده نحو الجنوب
لقد وجد المصريون في النيل أنه مصدر الحياة الأول و أدركوا أنه لولاه لما قدر لمصر هذا الحظ من الحياة و لما قامت فيها تلك الحضارة الرفيعة فبدا لهم هذا النهر و كأنه ساحر مس بعصاه السحرية الأرض فحولها إلي بقعة من أخصب البقاع فعظموه و قدسوه فأقاموا الأعياد أحتفالاً بفيضانه
والمناخ هو عامل من أكثر العوامل تأثيراً في حياة الإنسان و تقدمة و قد وهب الله مصر مناخ معتدل ، شمس ، سماء صافية و هواء عليل
لمصر موقع ممتاز أنفردت به بين الأقطار فهي ملتقي قارتين كبيرتين هما أفريقيا و آسيا كما تواجه قارة أوروبا في الشمال ، و هي تطل علي بحرين كبيرين ، و هما البحر الأحمر و البحر المتوسطأما بالنسبه لحدود مصر الطبيعية فيحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ، ومن الشرق البحر الأحمر
و أرض مصر مليئه بالثروات المعدنية مثل الذهب و النحاس و الحديد ، كما تتنوع الصخور من جرانيت و رخام و أحجار كريمة و من هذه المعادن و تلك الصخور أستطاع المصريون القدماء أن يبنوا أهراماتهم الخالده و ينحتون تماثيلهم الرائعه
نبذة عن تاريخ مصر القديم و تطورها الحضاري
ينقسم تاريخ مصر القديم إلي عصرين أساسين هما العصر الفرعوني الذي إستمر قرابة ثلاثة آلاف عام ، و العصر اليوناني الروماني الذي دام حوالي ألف عام
و قد قسم المؤرخ المصري القديم مانيتون تاريخ مصر الفرعوني علي ثلاثين أسرة حكمت مصر بالتوالي ،كما قسم المؤرخون التاريخ الفرعوني إلي ثلاثة أقسام متتالية هي الدولة القديمة و الدولة الوسطي والدولة الحديثة
العصر العتيق ( الأسرتان 1 ، 2 ) :1
استطاع مينا حوالي سنة 3200 ق .م تحقيق الوحدة السياسية لمصر ، و أستطاع أن يؤسس أول أسرة حاكمة في تاريخ مصر الفرعونية ، و قد أراد مينا أن يؤمن وحدة البلاد فأقام مدينة قرب رأس الدلتا سميت فيما بعد بأسم ممفيس
الدولة القديمة ( الأسرات من 3 إلي 6 ) :1
يعد عصر هذه الدولة فترة شباب مصر التي تميزت بالأستقرار و الأمن و السلام ، مما يسر تقدمها أقتصادياً و ثقافياً و فنياً ، و قد انعقد لواء الحكم لملوك الدولة القديمة من بناه الأهرامات حوالي 2800 ق . م بعد أن أنتقل عرش البلاد إلي منف علي يد الفرعون زوسر صاحب أقدم هرم معروف و هو الهرم المدرج بسقارة ، و أزدهرت حضارة مصر في أيام هذه الدولة ، وليس أدل علي ذلك من أهرامات الجيزة الضخمة للملك خوفو و خفرع و منكاورع
العصر المتوسط الأول ( الأسرات من 7 إلي 10 ) :1
بدأ هذا العصر حوالي سنة 2200 ق . م حين إنفلت زمام الحكم من يد فرعون و شبت نيران الحرب الأهلية حتي وفق الله منتوحتب الثاني إلي توحيد البلاد مرة ثانية
الدولة الوسطي ( الأسرات 11 ، 12 ) :1
تمكن منتوحتب الثاني أمير طيبة حوالي سنة 2065 ق . م منضم كل البلاد تحت حكمه بقوة السلاح ، كما قام بتأسيس حكومة قوية نجحت في توطيد النظام و أستتاب الأمن مما ساعد علي إنتعاش البلاد أقتصادياً و تقدم الفنون و العمارة ثم وهب الله البلاد حوالي سنة 2000 ق . م رجلاً عظيماً هو أمنمحات الأول صاحب الفضل الأكبر في بناء النهضة التي ظهرت أيام الدولة الوسطي
العصر المتوسط الثاني ( الأسرات من 13 إلي 17 ) : 1
بسقوط الأسرة الثانية عشرة كثر تطلع كبار الموظفين و قواد الجيش إلي العرش ، و كانت النتيجة الحتمية لأضطراب أحوال البلاد و تفككها وضعف حكومتها أن سقطت فريسة في يد عدو متربص لها حوالي سنة 1725 ق . م إذ دهمها المغيرون من القبائل الرعوية التي كانت تسكن في فلسطين و أطلة عليها أسم الهكسوس و أجتاحوها بسهولة ، فلما أخذت قوة الهكسوس في الضعف ، هب أمراء طيبة يكافحون في سبيل أسترداد حرية بلدهم المسلوبة و قد كتب الله لهم النجاح و تمكن أحمس من الإستيلاء علي عاصمتهم في الدلتا و طردهم من البلاد
الدولة الحديثة ( الأسرات من 18 إلي 20 ) : 1
بعد أن طرد أحمس الهكسوس رجع إلي بلادة سنة 1571 ق . م حيث قضي علي ثورات النوبيين جنوباً و أتجة إلي الأصلاح الداخلي في البلاد و أهتم بإنشاء جيش عامل منظم و سلحه بكل الأسلحة المعروفة في ذلك الوقت و زودوه بالعجلات الحربية ، و يعد رمسيس الثاني من أشهر ملوك هذه الدولة و تعتبر حروبه آخر المجهودات التي بذلها ملوك الدولة الحديثة في سبيل المحافظة علي الوحدة بين بلاد المنطقة و قد أنتهت خصومتة مع ملك الحيثيين بتوقيع معاهدة عدم إعتداء بين العاهلين بعد أن عجز أحدهما عن إحراز أي نصر كامل في معركة قادش و تعد هذه المعاهدة أول معاهدة سلام في التاريخ
رمسيس الثاني
و مع ذلك فقد أخذ مركز فرعون في الضعف و تعددت غارات الليبيين و شعوب البحر المتوسط علي مصر و كان من أشد تلك الغارات خطراً ما وقع منها في عهد رمسيس الثالث و لكن الجيش المصري صد تلك الغزوات و رد أصحابها مدحورين ، و قد أختتمت الدولة الحديثة أيامها حين تلاشت سلطة فرعون تماماً و أزدادت قوة كهنة آمون حتي تمكن كبيرهم من أغتصاب العرش
وللحديث بقية