عمرى عشر سنوات

عمرى عشر سنوات

كانت هذه أولى خطواتى بالارض المقدسة . كنت قد سئمت من رؤية الحقيقة على شاشات التلفاز ومن وجهة نظر الساسة والمحللين . فقررت رؤية الحقيقة والحكم على اطراف النزاع كما يسمونهم من وجهة نظرى أنا . فذهبت الى هناك وكان أول شخص أحدثة منذ وقعت قدماى على هذه الارض الطاهرة طفل تنطلق البراءة من عينيه كالسهام لتنغرس فى قلوب العدو فتملأهم رعباً وجزعاً .
- سألته : ما أسمك ؟؟؟؟؟؟؟؟
- فقال : أسمى فدائى فلسطينى .
وعند سماعى الرد كادت الدهشة ان تصمتنى من ان هذا الطفل يحمل بداخله معنى كهذا . ولكنى قررت مواصلة الحديث لمعرفة سر هذا الاسم
و عندما سالته عن عمره كنت اعتقد ان الاجابة ستحل اللغز ولكن جاءت اجابته لتطرح على ذهنى الف سؤال وسؤال .
- قال لى : عمرى عشر سنوات من الدم والحرب
عشر سنوات من الالم والدموع
عندها لم استطع منع دموعى من شق طريقها على وجنتى ولكن وقع هذه الكلمات على اذنى امدنى بالمقدرة على مواصلة الحديث ومعرفة هذا الطفل وما يحمله وتركت العنان للسانى ليساله عما يجول فى خاطرى .
- وسالته : ما معنى ان يكون عمر طفل عشر سنوات من الحرب والالم ؟
عندئذ رايت ولاول مرة دموع هذا الطفل عندما بدا فى سرد قصته وقال لى : منذ ولدت لم ار الفرحة على ارضى . لم ار غير الدمار والحرب والدموع ولم اسمع الا الاهات والصرخات . فهنا يحرم كل شئ على الفلسطينى النوم او الراحة او الحلم او حتى الموت . هنا يمنع الفلسطينى من دخول منزله ومن تربية ابناءه . ويمنع الطفل من ممارسة طفولته خوفاً من ان يشب رجلاً يرد حمى بلاده فعندما كنت فى السابعة من عمرى قتل ابى وامى امام عينى على يد الاعداء . ومات اخى الرضيع عندما دهسه احدهم وهو ملقى على الارض .
عندها لم استطع منع نفسى من البكاء فجائنى كلامه ممتلأ بالحماسة واصرار وقال : نحن هنا حرمنا الدموع على اعيننا لكى لا تكون نقطة ضعف يهاجمنا بها العدو .
ثم ارشدنى الى مكان بعيد عن الاعين وقال لى : ابقى هنا وتابعى ما سيحدث لانه صورة لما يحدث كل يوم لأطفال فلسطين كل يوم .
وذهبت الى حيث قال لى الطفل ووضعت كامرتى على وضع الاستعداد وجلست لكى ارى .
رأيت ما لو كتب فى صحف العالم لن تكفى
رأيت الحقيقة التى يعمى عنها الكثيرون أو بمعنى ثانى لا يريدون أن يروها
رأيت هذا الطفل " الفدائى الفلسطينى " فى مجموعة من الاطفال فى مثل عمره يقاومون العدو ويقذفونهم بالحجارة التى كانت اشد عليهم من قذائف الدبابات ورصاصات البنادق .
رأيت هؤلاء الاطفال وهم يصرخون بوجدانهم
" فلسطين عربية – القدس عربية "
وجنود العدو يختبئون خلف السيارات وداخل الدبابات خوفاً منهم ويقذفونهم بأبشع الاسلحة دون رحمة أو شفقة على هؤلاء الاطفال .
رايت الطفل الذى كنت احدثه منذ قليل غارق فى بين دمائه والأبتسامة على شفتيه وهو يلفظ بآخر نفس ويقول :
" ستبقين يا قدس عربية رغم انف الكلاب "

عندئذ علمت معنى أن يكون عمر طفل فى السجلات عشرة اعوام وعمره الحقيقى عشرات الاعوام من الدم والحرب والصرخات .
إنها حقاً مأساة الطفولة .

جميل جداااااااا

جميل اووووووووووووووى

جميل جدااااااااااااااااا