الجزء الثاني
البطاقه لم تعد في جيبي
دخل احمد غرفة والدته بخطوات متثــاقـلة
ومع كل خطوة يمر امام عينيه مشاهد من افعاله المخزية
يجلس منزوياً فى أحد الأركان
تشعر به والدته ولكنها مازالت غاضبة و تتظاهر بالنوم
يبكى أحمد و يبوح بسيل من الكلمات .. أختنقت فى صدره منذ سنوات
أمه تنصت و قلبها يكاد يخرج من ضلوعها ليُقبل إبنها التائب
يمر وقت طويل ومازال أحمد كالبركان الثائر يفوح بحمم الندم
هنــــــــــــا
دموع الأم تتسلل
ونغمات بكاء الأم والأبن أختلطت .. ليصدر عنها لحن الخلود
أخيـــــــراً
أنتصر النوم لتنتهى الأنشودة
نام أحمد و هو يضم يــــد والدته
كانت ليلة وكــــــأنه فى الجــــنة
فى اليوم التـــــالى
ما تفكر فيه قد حــــــدث
لقد هجر أحمد أصدقاء السوء ..
بعد أن تلقى سيل من السخرية و التهكم منهم
وبدء رحلة الطريق إلى الجنة
تمر الأيــــــام سريعاً
الأن أحمد يتلعثم وصوته يختنق وهو يتلو أية
أنتظر لا تسئ الظن بـــــه
أنها أخر أيــــة يقوم بتسميعها
لقد أتم أحمد حفظ القران
تصارع الدموع حروف الأية فتمنعها من الخروج من فمه و سط حشد من الناس
الأن تلمع الدموع فى عيون الجميع ...
مشهد ترق له الصخور
فما بالك بالقلوب
يدخل أحمد مبنى كبير ... يرحب به فرد الأمن فهو يعرفه جيداً و أعتاد رؤيته
يصل إلى ساحة كبيرة ... بمجرد ان يدخلها يٌهلل كل من فيها
يقفزون من أماكنهم .. يهرولون نحوه
الضحكات و الأبتسامات أصبحت اللغة السائدة فى هذا المكان بمجرد دخول أحمد إليه
أنهم أطفال أيتام خصص لهم يوماً فى الأسبوع يقضيه بينهم
يمر الوقت سريعاً جداً عليه و على الأطفال ..
فهذا قانون الزمن ..اللحظات الجميلة تمر كوهج الشهاب
ينظر احمد فى ساعته .. وينطلق مسرعاً
أحمد الان فى هذا المسجد
أذا أردت ان تبحث عنه
فهو دائماً فى الصف الأول ....
لا تسأل كيف و متى
فلقد أنطبع مشهد وقوفه أمام السينما ليحجز مقعده قبل البدء بساعة
وقرر أنه سيحجز مكانه فى الصف الاول دائماً ..
فأذا كان ساعة مبكرة تضمن تذكرته فى السينما
فان 10 دقائق قبل الأذان تضمن تذكرته فى الصف الأول
الساعة الان الثالثة عصراً
وأحمد قد تسارعت أنفاسه و تساقط منه العرق
انه يمارس تدريباته فى الجيم
يعود إلى منزله وقد أنتظرته امه على الغذاء
يطبع قبلة الترحيب على يديها ...
يجلس بجوارها ولكنه لا يأكل
نسيت امه أنه صائم كعادته كل أثنين و خميس
شاركها ببسمته الودودة .. ويـــده التى تضع الطعام فى فمها
أحمد مازال يتردد على المقاهى
تمـــهـــل
الان هو ضيف خفيف .. يدخل المقاهى و يجلس مع الشباب ليدعوهم إلى الله
يستخدم شفرة عالمهم التى يعرفها
ويدخل بها إلى قلوبهم و عقولهم
فينصح هذا و يٌرشد هذا
احمد يتوجه لقاعة كبيرة
يجلس
وينصت بهدوء و تركيز
أنه الكورس المكثف لدراسة اللغة الأنجليزية
فلقد أجتاز كل المراحل بنجاح و هو فى المستوى الاخير الأن
احمد عائــد للمنزل
فى طريقه يصادفه مشاجرة ... شئ عادى جداً
ولكن ملامح احمد تتغير و يكاد الغضب يقفز من عينيه
فلقد سمع أحدهم يسب الدين
وقف أحمد و أستعد للتدخل بحزم
كما أقول دائماً ما يدور فى رأسك بعيد تماماً
فاحمد يعلم انه لو تدخل الأن ووجه اللوم لمن يسب الدين لن يستمع لنصيحته
ينتظر احمد فى هدوء حتى تنتهى المشاجرة ويتوجه بلطف بالغ للشخص الذى سب الدين
ويطلب منه ان يتحدث معه على انفراد
يقول له و الأبتسامة تسبق كلماته
( انا سمعتك بتسب الدين ... وانا بعذرك انك كنت غضبان .. واكيد مش قصدك ... بس معلش حاول تسيطر على نفسك .. وبأذن الله ربنا هيكرمك .. لان الكلمة ديه كبيرة اوى )
بهدوء تام يستقبل الشخص النصيحة دون جدال .
ويعتذر وقد انتقلت له عدوى الأبتسام من أحمد
يتبادل أحمد أطراف الحديث اليومى مع والدته
يحكى لها عن يومه ..
ويرمى فى حضنها الدافئ كل مواقفه
يقطع حديثهم رنـــة الموبايل
يرد أحمد بنبرته الهادئة وابتسامته التى يسمعها من لا يراها
يقول بصوت حنون
( حاضر يا بابا ... حضرتك عايز علبتين )
يرجع أحمد لتبادل الحديث مع والدته
ولكن انتظر ... فوالد احمد متوفى منذ زمن
من الذى كان على الهاتف أذن ؟
انه أحد الأباء من دار المسنين التى يزورها احمد بصفة أسبوعية
لقد طلب منه علبة دواء .. فرقم أحمد مع كل أم و كل أب بهذه الدار ...
بعد ان كان رقمه مع معظم بنات الكلية
غداً هو يوم الجمعة ... وهو يوم ذو مذاق خاص عند احمد
ينتهى من صلاة الفجر بالمسجد ...
يجلس حتى طلوع الشمس يقوم بالذكر و التسبيح
هو و مجموعة من رواد المسجد
يمضى الوقت و يغادر الجميع المسجد إلا احمد
اغلق باب المسجد ... وبدأ !!!!!
أنه يقوم بتنظيف المسجد ... وتجهيزه ... لإستقبال عباد الرحمن
يمسح ارضية الحمامات ...
ينظف السجاد بهمة و نشاط
أحمد أحب الألقاب إليه خادم المسجد
الكرة تهــــز الشباك
انها تصويبة أحمد ... فهو لاعب ماهر ...
يلعب كل جمعة الكرة مع أصدقائه
تشتد المنافسة.. ما بين شد و ركل
ويتعالى الصياح
ولكن يخرج الجميع و قد جمعهم ود الأخوة
يشترى أحمد بعض الشرائط الفارغة ... من محل الشرائط
نفس المكان الذى كان يشترى منه أحدث الألبومات الغنائية
لا
لن يسجل محاضرة دينية
قلت لكم سابقاً لا تحاولوا ان تتوقعوا ما سيفعله
أنه يقوم بتسجيل بعض الكتب الدراسية بصوته
هكذا اعتاد احمد ان يساعد المكفوفين
يقرأ بصوته ليروا بأذانهم المنهج
صورة أحد المكفوفين الذين يساعدهم أحمد
الأن الساعة السادسة و النصف صباحاً
أعتاد احمد التسلل فى هذا الوقت من المنزل
أمه لا تسأله لانها تثق فيه جداً
كالعادة يعود بعد تسلله بساعة
الأم لا تعرف أين يذهب احمد ..
وأنا أيضاً لا أعرف
تمر الأيام و أحمد ينتقل من طاعة إلى طاعة
ومن خير إلى خير
أحمد لم يستيقظ لصلاة الفجر هذه الليلة ..أنها المرة الأولى
والدته ترددت فى إيقاظه فقد نام منذ قليل
بعد ان كان قائماً لأكثر من ساعة .. يُحيى سكون الليل بصلاته
تركته والدته .. واشفقت عليه من التعب
فى الصباح تدخل أمه .. فقد اعدت له الفطار
تحاول إيقاظه
ما يدور فى عقلكم صحيح
احمد لا يستجيب
صرخة أم ....... سمعها النائم قبل اليقظ
يااااااااااالله
أحمــد الان فى العناية المركزة
ضجيج الأجهزة الموصلة بجسده يعلو على صوت انفاسه و نبضاته الضعيفة
تشخيص الأطباء
الحالة حرجة ... نزيف بالمخ
امه تجلس تراقب هذا الخط الذى يعلو و يهبط
انه الدليل الوحيد على حياته
فى كل لحظة تموت ... ويتسرب اليأس لقلبها مع مرور الوقت
يخيم الليل على المكان ... ونبرة الأسى على لسان الأطباء لأن الحالة متأخرة
تشق أمه هدوء المكان بصوتها ......
ربى هو الذى هداه ... وربى هو الذى سيشفيه
ربى هو الذى هداه ... وربى هو الذى سيشفيه
ترددها مرة و مرتين و ... و...
حتى ظن الجميع أنها لن تتوقف تذهب إلى ركن فى الغرفة ... وتسجــــــــد
ظلت ساجـــدة ويأس الجميع من ان تقوم .. فخرجـــوا
تمر الأيام .. ومازالت مستبشرة تناجى ربها ..
نفس الركن .. بالغرفة التى يرقد بها أبنها لا تبارحه ...
هذه المرة أيضاً ما يدور فى عقولكم صحيح
فتح أحمد عينيــــه ليرى صورة أمه .. الصورة مشوشة تختفى و تظهر ...
يريد ان يناديها .. ولكن هيهات .. فهو كجسد بلا أرادة
ناداهـــــــا
بقلبـــــه
بقلب الأم تلتفت .. لترى أحمد قد فتح عينيه
ياااااااااااااا ااااااااالله لن أصف لكم الشعور .... فليس فى معجمى كلمات تليق به
انتقل أحمد لغرفة عادية .. وهو فى مرحلة الشفاء الأن
الممر لحجرته يمتلئ بالورود
جميع الأطباء و العاملين يتعجبون من كمية باقات الورد
فاحمد شخص عادى ليس من أصحاب النفوذ .. حتى تنهال عليه الباقات من كل صوب و جهة
أنهم لا يعرفوا أن أحمد زرع بذور الورد فى قلوب الكثير والأن يحصده
غرفة أحمد ليس فيها مكان لفرد يقف بها ..
ساعات الزيارة كل يوم يتوافد الجميع عليه
أشخاص من مختلف الأعمار و الطبقات
صيحـــة سيــدة مـفــــزوعة
(فين أبنى .. عايزة اشوف أبنى .. أحمد فين )
يتعجب الجميع .. فهم يعرفون والدته جيداً
تخترق الصفوف حتى تصل لأحمد
تطمئن عليه و جسدها الضئيل يهتز من البكاء ......
احمد يشاركها البكاء ...
فى رأس الجميع علامة أستفهام كما فى رأسكم الأن
هل تتذكروا عندما قلت لكم أن أحمد يتسلل كل يوم فى الساعة السادسة و النصف
هل عرفتـــم مــن هــــى ؟
أنها أم زينب بائعة الخضار الأرملة .
كان احمد يقوم على رعايتها ... و يساعدها فى نقل بضاعتها الثقيلة من منزلها إلى السوق
فهى تأبى أن تعيش على سؤال الناس
بحمد الله تتحول محنة المرض إلى منحة الشفاء
ويتجه احمد للبيت .. ويركب تاكسى مع والدته
يقف التاكسى بسبب الزحام فى أحد الإشارات
يتجمع العديد من الأطفال التى تبيع المناديل ... حول التاكسى
يصيحون فى فرحة وهم يطمئنون على أحمد ..... أنهم يعرفوه جيداً
إنهم أطفال الشوارع
لا يدخل صيف ولا شتاء إلا ويجمع احمد لهم الملابس القديمة من معارفه و أصدقائه
أسابيع و شهور تلتحم لتكون سنة جديدة
أحمد الأن تخرج من كلية التجارة
وفى أنتظار مكافأة خاصة جداً من والدته
انها رحلة تشتاق لها القلوب
كانت مكافئته .. رحلة إلى أرض الله مباركة
انطلق مع والدته ليٌلبـــى النداء
الأن احمد يجب أن يغير مهنته فى البطاقة من طالب إلى محاسب
يتوجه باكراً إلى مركز إصدار البطاقات الشخصية
يقف أحمد أمام المبنى ... يتأمل للحــــظــــات
ويضحـــك ضحـــكــة عـاليـــة
يسمعها المارة و يتعجبون !!!!!
هل عرفتم لماذا يضحك ؟
إنـتـهــــى الفيــلــم
إضــــــاءات
ما حاولت توصيله .. هو كيف تعيش حياتك كلها لله
فالعبادة ليست صلاة و صوم فقط ... بل كل ما تقوم به حتى الإبتسام عبادة أيضاً
لا يريد الإسلام رهبان لا يغادرون صومعتهم
بل يريد إنسان كالمطر يحمل الخير أينما حل
حاولت أيضاً توضيح ان المال ليس فقط هو وسيلة مساعدة الفقراء و المحتاجين ....
فيمكنك أن تقدم لهم الكثير و الكثير دون أن يكون معك مال