يسعدني أن أقدم لكم لمحة عن الكاتب الكبير يوسف ادريس
اختطفه عالم الأدب من الطب، فهو واحد من أشهر الأطباء الذين تركوا الطب ليمتهنوا الأدب.. عايش تطور التيارات الفكرية والسياسية المختلفة، وتأثر بالفكر الماركسي.. استطاع أن يحقق مصرية القصة القصيرة حتى استحق عن جدارة أن يكون أميراً لها.. انه أديب الأطباء وطبيب الأدباء.. الدكتور يوسف إدريس.
ولد يوسف إدريس 19 مايو عام 1927م في قرية البيروم بمحافظة الشرقية لأسرة من متوسطي المزارعين تضم عددا من المتعلمين الأزهريين، تعلم في المدارس الحكومية والتحق بعد دراسته الثانوية بكلية الطب في جامعة القاهرة التي تخرج منها عام 1951 .
حصل على دبلوم الأمراض النفسية ودبلوم الصحة العامة، عمل في المستشفيات الحكومية وكان مفتشاً صحياً في الدرب الأحمر وهو حي شعبي في القاهرة. بدأ ينشر قصصه القصيرة في الصحف منذ عام 1950، وشارك في تحرير أول مجلة يصدرها الجيش بعد قيام ثورة يوليو وهي مجلة التحرير التي صدرت في سبتمبر 1952.
صدرت مجموعته القصصية الأولى " أرخص ليالي " عام 1954 وقد وضعت هذه المجموعة البداية الفعلية للواقعية المصرية ، ثم ظهرت موهبة إدريس في مجموعته التالية " العسكري الأسود " التي صدرت عام 1955 والتي وصفها أحد النقاد بـ " أنها تجمع بين سمات دستوفسكي وسمات كافكا معا " .
حصل على جائزة عبد الناصر في الآداب عام 1969 ، وجائزة صدام حسين للآداب عام 1988 ، وجائزة الدولة التقديرية عام 1990 . توفى يوسف إدريس في أول أغسطس عام 1991م إثر مرض خبيث.
عالم إدريس القصصي
جذبت قصص يوسف إدريس الأولى الانتباه إلى أن اسمه سيصبح من الأسماء اللامعة في فترة وجيزة وهو ما حدث بالفعل خاصة بعد كتابة قصة " أنشودة الغرباء " والتي نشرت في مجلة " القصة " عام 1950 ، وبعدها تابع نشر قصصه في مجلة " روز اليوسف " ، ثم قدمه عبد الرحمن الخميسي إلى قراء جريدة " المصري" التي كان ينشر فيها قصصه بانتظام، ثم كتب عدة مقالات في مجلة "صباح الخير" ، ثم أصبح من كتاب جريدة " الجمهورية " التي كان يرأس مجلس إداراتها في ذاك الوقت الرئيس الراحل أنور السـادات حيث بدأ بنشر حلقات قـصص "قــاع المدينة " ، " المسـتحيل " و" قبر السلطان " ، وبعدها انطلق يوسف إدريس مؤكدا مكانته كأبرز كتاب القصة القصيرة .
وقد عايش إدريس ظهور وتطور التيارات الفكرية والسياسية الوطنية التي انتعشت في مراحل الاستقلال وتأثر بالفكر الماركسي بعد أن قوي بسبب دور الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية والتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها العالم في ذلك الوقت.
ووفقا للنقاد فإن رؤية إدريس الأدبية والفكرية تستند إلى حساسية فائقة وإدراك نافذ لمظاهر الوجود الإنساني وحقائقه، أكثر مما تستند إلى "معرفة " معلوماتية محدودة، ويجمعون علي أن كتابته تتسم بمعرفة عميقة للواقع الاجتماعي المصري وبأسلوب ساخر تشوبه روح الفكاهة معتمداً على استعمال اللغة العامية في أغلب الحوارات.
ويرى النقاد أن عالم يوسف إدريس القصصي يدور في أكثر ما كتب حول ثالوث واضح الملامح هو: الله، اللا، السلطة… وقد ظهر هذا الثالوث متبلوراً جلياً في مجموعته الذائعة الصيت (بيت من لحم) ، ولذا فقد اندفعت موهبته بحزم وعمق فنيين لتجسد هذه القضايا، وتصنع منها جواً مصيرياً يرسم مصير الإنسان، ويسيطر على عالمه.
يؤكد سمير عمر إن فكرة القدر ووجود قوة عليا مهيمنة ، برزت بوضوح في رسم شخصيات ومسار قصصٍ كثيرة عند يوسف إدريس ، مثل قصة ( قبر السلطان ) ؛ وقصة ( لأن القيامة لا تقوم ) ؛ وقصة ( أكبر الكبائر ) ؛ وانتصر يوسف إدريس دائما لمأساة الإنسان المسحوق في مجتمع طبقي ظالم ، عبر مهارة فنية في السرد والحوار وإحكام بناء النسيج القصصي.
اندماج حتى البكاء
" أنا علي استعداد علي أن أفعل أي شيء إلا أن امسك القلم مرة أخري وأتحمل مسؤولية تغيير عالم لا يتغير.. وإنسان يزداد بالتغيير سوءا.. وثورات ليت بعضها ما قام .."
عن مخاض الإبداع عند إدريس تقول زوجته رجاء: "حينما يكتب يوسف أجلس أمامه ويقتصر دوري علي إعداد الشاي أو القهوة، وبعد أن يكتب جملة أو جملتين يندمج تماماً ويغيب عن كل ما حوله ويبدأ في التشويح والإشارة ويتمثل الشخوص التي يكتب عنها ويشعر إنها حوله تكلمه وتلمسه ! كتابة المسرح عنده حالة أصعب لأنه يستحضر الحاسة الجماهيرية في نفسه ويستحضر الحالة المسرحية ليبثها في نفس الجماهير، عندما كان يكتب مسرحية الفرافير كان في حالة صعبة جداً ، وقد رأيته بنفسي يقف أمام حوض الاغتسال يشيح بيده ويبكي بدموع حقيقية