نعم.. أنا عبيط
بقلم صبرى غنيم ٥/ ٢/ ٢٠٠٩
لم أتوقع أن أسمعه وهو يقول لى.. نعم.. أنا عبيط، بعد أن أعطيته تحويشة العمر، فلوسى وفلوس عيالى.. لقد أفهمونى أن هذا الرجل سابق عصره فى استثمار الأموال وأنه يتمتع بعقلية اقتصادية تفوق كفاءة أى بنك، حيث يستطيع وحده أن يحقق عائدًا يصل إلى ٤٠ فى المائة سنويًا على أى رقم يقع فى يده.. وقد بهرنى منظره وموقعه، فقد كان يتردد عليه نجوم كنت أراهم على الشاشة.. ونجوم رأيتهم فى الملاعب..
معنى هذا الكلام أن الرجل شخصية معروفة.. ويتمتع بثقة كل هؤلاء الناس، هذا هو الذى جعلنى أترك فلوسى له بلا خوف أو تردد.. وتمضى الأيام وقبل أن ندخل فى عامنا الأول أى قبل أن أقبض العائد السنوى الذى عشت أحلم به.. حيث كان الاتفاق بيننا أن يحقق لى عائدًا يصل إلى ٢٠ ألف دولار سنويًا، يدفع نصفها نقدًا والنصف الآخر يضاف إلى رأس المال..
وفجأة يتبدد هذا الحلم.. وتضيع تحويشة العمر بعد أن سقط فى قبضة الشرطة واكتشفت أنه نصاب بدرجة ممتاز جدًا.. ويحاول مئات من الضحايا أمثالى أن يمسكوا بزمارة رقبته.. منهم من حاول خنقه.. ومنهم من حاول تخليصه أملاً فى استعادة فلوسه.. أما أنا فقد ضربت رأسى فى الحيط، وأخذت ألطم مثل الستات وأصرخ ولم يقترب منى أحد ليواسينى فى مصيبتى كل من كان يسمعنى يقول لى.. أنت عبيط والاّ ساذج.. صرخت بأعلى صوتى.. أنا عبيط.
هذه الواقعة تذكرنى بمسلسل قضايا النصب تحت ما يسمى بتوظيف الأموال والذى لم ينته بعد قضايا النصب التى ظهرت فى الإسكندرية والهرم والقليوبية.. وآخرها القضية التى يحقق فيها النائب العام الآن ويسعى إلى إعادة أحد أبطالها بعد القبض عليه فى دبى.. بعد أن فاحت سيرته واستولى على ملايين الدولارات من ضحايا له فى مصر والسعودية.. ودبى.
وهنا يحضرنى سؤال.. لماذا بقيت الظاهرة فى حين أنه من المفروض أن تنتهى بعد اختفاء السعد والريان، ولا أعرف لماذا لم يأخذ الناس دروسًا من تجربتهم التى أكلت معها الأخضر واليابس وسقط فيها أبرياء ماتوا بالسكتة القلبية بعد أن ضاعت تحويشة العمر؟
نحن لا ننكر أن الحكومة كانت طرفًا فى هذه التجارب الموجعة.. فهى التى ساهمت فى صنع أشرف السعد.. وصنع الريان وعائلته.. واستفاد رجال النظام من مساندتهم لهم.. الريان كان يمنح صكوك البركة لكبار رجال الدولة من وزراء ومحافظين وهى من أموال الغلابة.. والسعد كان يشترى التروماى.. كل من يملك من المسؤولين قطعة أرض أو بيتًا قديمًا كان السعد يشتريه بمئات الألوف مجاملة لهؤلاء المسؤولين.. ويوم أن سقطت إمبراطوريتهم لم يضر إلا أصحاب الودائع التى كانت تمثل صمام الأمان لمستقبلهم.. منهم من وضع مكافأة نهاية الخدمة..
ومنهم من دفع تحويشة عرق سنين عن عمله فى الخارج.. ومنهم من باع ممتلكاته.. ومع ذلك لم يتعظ الناس.. فقد سمعنا عن حكايات وحكايات.. ناس أصيبوا بالشلل، وناس أصيبوا بالسكتة الدماغية بعد خسارتهم لأموالهم.. وللأسف لايزال هذا السيناريو على الساحة ويبدو أن الناس مغرمة بمن يكذب عليها أو بمن ينصب عليها.
المليونير الهارب فى دبى والذى تسعى الشرطة لإحضاره من هناك، حكايته حكاية.. فقد نجح بذكائه ودهائه فى أن يفقد المودعين ثقتهم فى استثمار أموالهم داخل البنوك المصرية.. وأغراهم باستثمارها فى شركته التى فتحت أبوابها لاستقبال مئات المودعين مقابل أن تمنحهم عائدًا أضعاف أضعاف ما تحققه ودائع البنوك وللأسف من بين هؤلاء المودعين طبقة من المثقفين يعرفون أنه لا توجد عقلية اقتصادية فى العالم تحقق عائدًا يصل إلى ٣٠ فى المائة حتى يسلموها أموالهم..